متى عليك التأني في القرارت و متى عليك الحزم فيها؟

على هامش نقاشي مع احد الاصدقاء (سفر عياد)، ناقشت معه فكرة السرعة و التأني في اتخاذ القرارات … و وعدته بكتابة تدوينة تفصيلية عن الموضوع فكتبت هذي التدوينة …

نسمع كثيرًا من النصائح التي تخبرنا ألّا نفرّط في التفكير، وأن نتّخذ قراراتنا بسرعة، وإلّا «سيفوتنا القطار». ونسمع معها عبارات تمجّد الحزم والفعالية والإنجاز السريع.

وعلى الجانب الآخر، من المؤكد انك سمعت أيضًا عن فضيلة التأني، وعدم الاستعجال، وأن «في التأني السلامة وفي العجلة الندامة»، وأنه ليس عليك أن تتخذ قرارًا حتى تكون مستعدًا، وقد بحثت وتمعّنت واستشرت واستخرت.

والان متاكد انه راح تسال نفسك … طيب اللحين انا وش اسوي بالضبط ؟ و كيف اقرر؟ و متى اسرع في اتخاذ القرار و متى اخذ وقتي؟

أعلم بأن هذه الإجابة مزعجة قليلًا: الجواب يعتمد أو كما يحب رواد قطاع الاستشارات ان يذكروها It depends.
لكن في الحقيقة، «يعتمد» هنا ليست تهرّبًا من الجواب، بل مفتاح الفهم:
الأمر يعتمد على نوع القرار و السياق الذي يُتخذ فيه.

في حياتنا، ليست كل القرارات متشابهة. بعض الخطوات يمكن التراجع عنها بسهولة، وبعضها يفتح طريقًا جديدًا لا رجعة فيه. وهنا يقدّم لنا كتاب «The Decision Book» طريقة مختلفة للنظر إلى القرارات.

قبل أن تسأل: ماذا أفعل؟
اسأل أولًا:

  • هل يمكنني التراجع عن هذا القرار؟ وكم سيكلّفني ذلك؟

  • وهل هذا القرار عالي الأهمية أم بسيط التأثير؟

عندما تجمع هذين المحورين معًا، تظهر أمامك أربعة مسارات واضحة:


المسار الأول: قرارات قابلة للتراجع ومنخفضة الأهمية 🟦

هذه القرارات لا تستحق الكثير من الانتظار أصلًا. خطوة بسيطة، أثرها بسيط، والرجوع عنها أسهل من الإفراط في التفكير فيها.

← لذلك تُنفّذ فورًا.

مثال: اختيار حلقة من برنامجك المفضّل لتستمع إليها في طريقك إلى العمل.


المسار الثاني: قرارات قابلة للتراجع وعالية الأهمية 🟩

هذه قرارات تسمح لك بالتجربة. تستطيع أن تخطو، ثم تراقب، ثم تعدّل، ثم تعيد المحاولة.

← هنا نحتاج إلى سرعة محسوبة: لا تسرّع متهوّر، ولا بطء يقتل الفكرة.

أمثلة: تعلّم مهارة جديدة، أو تجربة فكرة تطبيق باستخدام أدوات الـ Vibe coding، ونشرها لمجموعة صغيرة من المستخدمين لمعرفة ردود الفعل.


المسار الثالث: قرارات غير قابلة للتراجع ومنخفضة الأهمية 🟨

قرارات نهائية من حيث الشكل، لكنها لا تهزّ حياتك بشكل عميق. تفاصيل صغيرة، لكن لا تستحق أن تستهلك طاقة التفكير طويلًا.

← اتخذها بسرعة، ولا تمنحها أكبر من حجمها.

مثال: تجربة الاستثمار في سهم شركة قيادية بمبلغ بسيط فائض عن حاجتك وقابل للخسارة دون أن يؤثّر على التزاماتك الأساسية.


المسار الرابع: قرارات غير قابلة للتراجع وعالية الأهمية 🟥

هنا المنطقة الأثقل وزنًا. هذه القرارات تصنع مسارًا جديدًا في حياتك: اختيار مصيري، أو تغيير جذري، أو خطوة تبقى معك لسنوات طويلة.

← يجب هنا أن نتمهّل، ونفكّر بعمق، ونسأل، ونراجع كل زاوية ممكنة.
نقوم بدراسات معيارية، ونقارن الخيارات المتاحة، ونقيّم الموارد، ونفهم أثر كل خيار على المدى القريب والبعيد.

أمثلة: اختيار شريك حياة، اتخاذ قرار استراتيجي قيادي على مستوى الدولة أو الشركة أو العائلة، أو شراء بيت للسكن.


في النهاية، جودة قراراتنا لا تأتي من «الحدس» وحده، ولا من السرعة ولا من التأني في حدّ ذاتهما؛ بل من قدرتنا على فهم نوع القرار الذي أمامنا، وما يترتّب عليه من أثر في حياتنا.

حين تفهم في أي مسار يقع قرارك القادم، ستكتشف أن سؤال:
«هل أستعجل أم أتأنّى؟»
لم يعد غامضًا كما كان من قبل.

بل أصبح جزءًا من عملية واعية لصناعة حياتك، خطوة بعد خطوة، وقرارًا بعد قرار.

زهير يكتب ✍️ …
زهير يكتب ✍️ …

مدونة شخصية يكتبها زهير، في مساحات تمتد بين التقنية والذات، وبين الألعاب والحياة. هنا يتقاطع المنطق بالحلم، والفكرة بالتجربة، والنص اليومي بالتأمل العميق. "زهير يكتب" ليست فقط ما كُتب، بل كيف تُرى الحياة بعيون مفعمة بالفضول.