الإبتكار… بين الحقيقة والصيت!
هذا أول مقالاتي العملية في “زهير يكتب ✍️”، سأبدأه من سؤال بسيط قد يبدو ساذجًا: هل ما نراه اليوم في مؤسساتنا هو ابتكار حقيقي؟


كلمة “الابتكار” تُردد كثيرًا. نراها في شعارات الشركات، في الورش والفعاليات، في لوحات المكاتب وحتى في تقارير الأداء السنوية. لكن، هل فعلاً نمارس الابتكار؟ أم أننا نكتفي فقط بنشر ثقافته دون أن نعي كيف نُنمّيه ونبنيه ونجني ثماره؟
في هذا المقال، سأتناول الابتكار من وجهة نظر عملية وشخصية، وسأشارك ما تعلمته خلال تجربتي مع هذا المفهوم الذي يتأرجح كثيرًا بين الاستهلاك والتطبيق.
1. ما هو الإبتكار؟
الابتكار = إبداع × تنفيذ × قيمة
ربما هو أحد التعريفات القليلة التي أحتفظ بها في ذهني وأستخدمها كلما أردت اختبار جدية مشروع أو مبادرة للابتكار. إنه تعريف رياضي بسيط، لكنه صارم:
أي عنصر من العناصر الثلاثة إذا غاب، فالناتج النهائي هو صفر.
فالإبداع دون تنفيذ مجرد توليد أفكار.
والتنفيذ دون إبداع هو تكرار. ولا يقصد التقليل منه و لكنه في ايطار الابتكار تكرار.
والإثنان معًا دون تحقيق قيمة؟ مجهود بلا معنى.
ولهذا، كثير من محاولات "الابتكار المؤسسي" تفشل وتُتهم بالسطحية أو هدر الموارد. ببساطة لأنها لم تحقق المعادلة.
2. الإبداع: من أين يأتي؟ وكيف نُنمّيه؟
الإبداع هو القدرة على الإتيان بجديد.
ولكن "الجديد" لا يأتي من فراغ. هو نتيجة لتراكم معرفي وخيال مدرّب.
أغلب الناس يستطيعون تخيّل "كرسي"، لكن عندما أطلب منك تخيّل كرسي مناسب لك شخصيًا، سيختلف المشهد في ذهنك بناءً على:
معرفتك بأشكال الكراسي
المواد المستخدمة في تصنيعها
فهمك للراحة، الجمال، وحتى الفيزياء
فكلما زادت معرفتك، زادت قدرتك على التخيل.
وهنا، تكمن أول خطوة نحو الإبداع: أن تعرف أكثر، وبعمق.
الإبداع لن يكون نتيجة لجلسات العصف الذهني فقط، بل في جمع قطع المعلومة من هنا وهناك، ورؤية روابط لا يراها غيرك، و سؤال الأسئلة الصحيحة في السياق الصحيح.
ستيف جوبز تحدث كثيرًا عن هذا المفهوم حين شرح كيف أن الأفكار تتحول لمنتجات عبر فهم عميق للحاجة والقدرة والفرصة
3. التنفيذ: من الفكرة إلى الواقع
هناك وفرة من الكتب والمصادر التي تشرح كيف ننفّذ فكرة، لذلك لن أكررها. لكن إليك خمس قواعد أراها محورية وجديرة بالذكر:
هناك نوعان من الاحتياج:
احتياجات ظاهرة يعبّر عنها الناس
واحتياجات خفية لا يمكنهم تخيّلها (كالسيارة قبل اختراعها) وهنا، دور المبتكر أن يقرأ ما بين السطور، لا فقط ما يُقال بصوت مرتفع.
العصف الذهني ليس عملية عشوائيًة:
احرص أن تدعو من يملكون معرفة عميقة في مجالاتهم. العمق هنا أهم من العدد.الهاكاثون ليس نهاية الرحلة:
بل بدايتها فقط. السؤال هو: ما الذي سيحدث بعده؟ لماذا نقيمه؟ هل نملك الميزانية لتنفيذ الأفكار الناجحة؟ كيف سيتم التنفيذ؟ كيف نحفظ الحقوق؟ كيف سنسوق لذلك بعد التنفيذ؟الذكاء الاصطناعي صديق لا بديل:
لا تطلب منه الحل، بل اسأله الأسئلة التي توسّع منظورك وتثري نقاش الفريق. مثلاً اجعله يسألك بدلاً من ان يجيبك! (وسأخصص مقالة لاحقًا عن استخدامات الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة.)اختر إطار العمل المناسب:
لا تستخدم Agile أو غيرها من أطر العمل لأنه رائج، بل لأنه مناسب. فكم من مشاريع تعثرت لأنها استخدمت أدوات لا تلائم طبيعتها.
4. القيمة: ما الذي يجعل الابتكار يستحق؟
في سياق المؤسسات، القيمة ليست مفهوماً عاطفياً.
إنها ببساطة: "ما الذي يضيفه هذا الابتكار ؟" و كمثال:
في الشركات: الربح، رضا العملاء، التوسع...
وفي الجهات الحكومية: الأثر الاقتصادي، الوظائف، تحسين جودة الحياة...
الابتكار المؤسسي ليس نادٍ إبداعي داخلي، بل هو أداة استراتيجية.
إن لم يكن مرتبطًا بتحقيق هدف مؤسسي واضح، فهو مجرّد تجربة أو مبادرة "تدريبية".
5. خلاصة لا بد منها:
أنا لا أوجّه اللوم لجهود الابتكار داخل المؤسسات، بل أُقدّر أن كثيرًا منها ينطلق من نوايا صادقة ورغبة حقيقية في التغيير.
لكن الإشكال لا يكمن في النية… بل في الأسلوب والطريقة.
إن كنا نطمح إلى بيئة ابتكارية حقيقية، فعلينا أن نقدّم قيمة ملموسة لأصحاب القرار، تجعل دعمهم للابتكار خيارًا منطقيًا، لا مجازفة عاطفية.
ويجب أن نقبل الفشل… لا الفشل العشوائي، بل الفشل الذكي — أن نخطئ لأننا تجرّأنا على تجربة جديدة، لا لأننا تجاهلنا ما كان بالإمكان تجنبه. ولنتذكر ما كتب على جدار إحدى شركاتنا الوطنية:
Let us Make
NoNew Mistakes
فدعونا نبتكر… ونتعلم من تجاربنا،
نخاطر بخطى محسوبة،
ونمضي بشجاعة عاقلة.
ولنتذكر دائمًا: المستحيل… ليس سعوديًا.

مدونة شخصية يكتبها زهير، في مساحات تمتد بين التقنية والذات، وبين الألعاب والحياة. هنا يتقاطع المنطق بالحلم، والفكرة بالتجربة، والنص اليومي بالتأمل العميق. "زهير يكتب" ليست فقط ما كُتب، بل كيف تُرى الحياة بعيون مفعمة بالفضول.